حول أبو بكر
Nur Fadlan
1. المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد حمد الله الذي وعد فوفى وأوعد فعفا والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الشرفاء ومسود الخلفاء وعلى آله وصحبه أهل الكرم والوفاء فهذا تاريخ لطيف ترجمت فيه الخلفاء أمراء المؤمنين القائمين بأمر الأمة من عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى عهدنا هذا على ترتيب زمانهم الأول فالأول وذكرت في ترجمة كل منهم ما وقع في أيامه من الحوادث المستغربة ومن كان في أيامه من أئمة الدين وأعلام الأمة.
والداعي إلى تأليف هذا الكتاب أمور منها أن الإحاطة بتراجم أعيان الأمة مطلوبة ولذوي المعارف محبوبة وقد جمع جماعة تواريخ ذكروا فيها الأعيان مختلطين ولم يستوفوا واستيفاء ذلك يوجب الطول والملال فأردت أن أفرد كل طائفة في كتاب أقرب إلى الفائدة لمن يريد تلك الطائفة خاصة وأسهل في التحصيل فأفردت كتاباً في الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه وكتاباً في الصحابة ملخصاً من الإصابة لشيخ الإسلام أبي الفضل بن حجر وكتاباً حافلا في طبقات المفسرين وكتاباً وجيزاً في طبقات الحفاظ لخصته من طبقات الذهبي وكتاباً جليلا في طبقات النحاة واللغويين لم يؤلف قبله مثله وكتاباً في طبقات الأصوليين وكتاباً جليلا في طبقات الأولياء وكتاباً في طبقات الفرضيين وكتاباً في طبقات البيانيين وكتاباً في طبقات الكتاب أعنى أرباب الإنشاء وكتاباً في طبقات أهل الخط المنسوب وكتاباً في شعراء العرب الذين يحتج بكلامهم في العربية وهذه تجمع غالب أعيان الأمة واكتفيت في طبقات الفقهاء بما ألفه الناس في ذلك لكثرته والاستغناء به وكذلك اكتفيت في القراء بطبقات الذهبي وأما القضاة فهم داخلون فيمن تقدم ولم يبق من الأعيان غير الخلفاء مع تشوق النفوس إلى أخبارهم فأفردت لهم هذا الكتاب ولم أورد أحداً ممن ادعى الخلافة خروجاً ولم يتم له الأمر ككثير من العلويين وقليل من العباسيين.
ولم أورد أحداً من الخلفاء العبيديين لأن إمامتهم غير صحيحة لأمور: منها: أنهم غير قرشيين وإنما سمتهم بالفاطميين جهلة العوام وإلا فجدهم مجوسي قال القاضي عبد الجبار البصري اسم جد الخلفاء المصريين سعيد كان أبوه يهودياً حداداً نشابة وقال القاضي أبو بكر الباقلاني القداح جد عبيد الله الذي يسمى بالمهدي كان مجوسياً ودخل عبيد الله المغرب وادعى أنه علوي ولم يعرفه أحد من علماء النسب وسماهم جهلة الناس الفاطميين وقال ابن خلكان أكثر أهل العلم لا يصححون نسب المهدي عبيد الله جد خلفاء مصر حتى إن العزيز بالله ابن المعز في أول ولايته صعد المنبر يوم الجمعة فوجد هناك ورقة فيها هذه الأبيات:
إنا سمعنا نسباً منكراً ... يتلى على المنبر في الجامع
إن كنت فيما تدعى صادقاً ... فاذكر أبا بعد الأب السابع
وإن ترد تحقيق ما قلته ... فانسب لنا نفسك كالطائع
أولا دع الأنساب مستورة ... وادخل بنا في النسب الواسع
فإن أنساب بني هاشم ... يقصر عنها طمع الطامع
وكتب العزيز إلى الأموي صاحب الأندلس كتاباً سبه فيه وهجاه فكتب إليه الأموي أما بعد فإنك قد عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لأجبناك فاشتد ذلك على العزيز فأفحمه عن الجواب يعني أنه دعي لا تعرف قبيلته قال الذهبي المحققون متفقون على أن عبيد الله المهدى ليس بعلوي وما أحسن ما قال حفيده المعز صاحب القاهرة وقد سأله إن طباطبا العلوي عن نسبهم فجذب نصف سيفه من الغمد وقال هذا نسبى ونثر على الأمراء والحاضرين الذهب وقال هذا حسبي.
ومنها: أن أكثرهم زنادقة خارجون عن الإسلام ومنهم من أظهر سب الأنبياء ومنهم من أباح الخمر ومنهم من أمر بالسجود له والخير منهم رافضي خبيث لئيم يأمر بسب الصحابة رضي الله عنهم ومثل هؤلاء لا تنعقد لهم بيعة ولا تصح لهم إمامة.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني: كان المهدي عبيد الله باطنياً خبيثاً حريصاً على إزالة ملة الإسلام أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق وجاء أولاده على أسلوبه: أباحوا الخمر والفروج وأشاعوا الرفض.
وقال الذهبي: كان القائم بن المهدي شراً من أبيه زنديقاً ملعوناً أظهر سب الأنبياء وقال: وكان العبيديون على ملة الإسلام شراً من التتر.
وقال أبو الحسن القابسي: إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه من العلماء والعباد أربعة آلاف ورجل ليردوهم عن الترضي عن الصحابة فاختاروا الموت فيا حبذا لو كان رافضياً فقط ولكنه زنديق.
وقال القاضي عياض: سئل أبو محمد القيرواني الكيزاني من علماء المالكية عمن أكرهه بنو عبيد يعني خلفاء مصر على الدخول في دعوتهم أو يقتل قال يختار القتل ولا يعذر أحد في هذا الأمر كان أول دخولهم قبل أن يعرف أمرهم وأما بعد فقد وجب الفرار فلا يعذر أحد بالخوف بعد إقامته لأن المقام في موضع يطلب من أهله تعطيل الشرائع لا يجوز وإنما أقام من أقام من الفقهاء على المباينة لهم لئلا تخلو للمسلمين حدودهم فيفتنوهم عن دينهم.
وقال يوسف الرعيني: أجمع العلماء بالقيروان على أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة لما أظهروا من خلاف الشريعة.
وقال ابن خلكان: وقد كانوا يدعون علم المغيبات وأخبارهم في ذلك مشهورة حتى إن العزيز صعد يوماً المنبر فرأى ورقة فيها مكتوب:
بالظلم والجور قد رضينا ... وليس بالكفر والحماقه
إن كنت أعطيت علم غيب ... بين لنا كاتب البطاقة
وكتبت إليه امرأة قصة فيها: بالذي أعز اليهود بميشا والنصارى بابن نسطور وأذل المسلمين بك إلا نظرت في أمري وكان ميشا اليهودي عاملا بالشام وابن نسطور النصراني بمصر.
ومنها: أن مبايعتهم صدرت والإمام العباسي قائم موجود سابق البيعة فلا تصح إذ لا تصح البيعة لإمامين في وقت واحد والصحيح المتقدم.
ومنها: أن الحديث ورد بأن هذا الأمر إذا وصل إلى بني العباس لا يخرج عنهم حتى يسلموه إلى عيسى بن مريم أو المهدي فعلم أن من تسمى بالخلافة مع قيامهم خارج باغ.
فلهذه الأمور لم أذكر أحداً من العبيديين ولا غيرهم من الخوارج وإنما ذكرت الخليفة المتفق على صحة إمامته وعقد بيعته وقد قدمت في أول الكتاب فصولا فيها فوائد مهمة وما أوردته من الوقائع الغريبة والحوادث العجيبة فهو ملخص من تاريخ الحافظ الذهبي والعهدة في أمره عليه والله المستعان.
وأقول: قد أردت أن أبسط ترجمة الصديق بعض البسط ذاكراً فيه جملة كثيرة مما وقفت عليه من حاله وأرتب ذلك فصولا.
2. اسمه ولقبه
تقدمت الإشارة إلى ذلك قال ابن كثير: اتفقوا على أن اسمه عبد الله ابن عثمان إلا ما روى ابن سعد عن ابن سيرين أن اسمه عتيق والصحيح أنه لقبه ثم اختلف في وقت تلقيبه به وفي سببه فقيل: لعتاقة وجهه أي لجماله قاله الليث ابن سعد وأحمد بن حنبل وابن معين وغيرهم وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: لقدمه في الخير وقيل: لعتاقة نسبه أي طهارته إذا لم يكن في نسبه شيء يعاب به وقيل: سمي به أولا ثم سمى بعبد الله وروى الطبراني عن القاسم بن محمد أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن اسم أبي بكر فقالت: عبد الله فقال إن الناس يقولون عتيق قالت إن أبا قحافة كان له ثلاثة أولاد سماهم عتيقاً ومعتقاً ومعيتقاً وأخرج ابن منده وابن عساكر عن موسى بن طلحة قال: قلت لأبي طلحة قال قلت لأبي طلحة: لم سمي أبو بكر عتيقاً قال: كانت أمه لا يعيش لها ولد فلما ولدته استقبلت به البيت ثم قالت اللهم إن هذا عتيق من الموت فهبه لي وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: إنما سمي عتيقاً لحسن وجهه وأخرج ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت اسم أبي بكر الذي سماه به أهله عبد الله ولكن غلب عليه اسم عتيق وفي لفظ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم سماه عتيقاً أخرج أبو يعلى في مسنده وابن سعد والحاكم وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت والله إني لفي بيتي ذات يوم ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الفناء والستر بيني وبينهم إذا أقبل أبو بكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر " وإن اسمه الذي سماه أهله عبد الله فغلب عليه اسم عتيق وأخرج الترمذي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار فمن يومئذ سمي عتيقاً وأخرج البزار والطبراني بسند جيد عن عبد الله بن الزبير قال: كان اسم أبي بكر عبد الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنت عتيق الله من النار " فسمي عتيقاً.
وأما الصديق فقيل كان يلقب به في الجاهلية لما عرف منه من الصدق ذكره ابن مسدي وقيل لمبادرته إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان يخبر به قال ابن إسحاق عن الحسن البصري وقتادة وأول ما اشتهر به صبيحة الإسراء أخرج الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء المشركون إلى أبي بكر فقالوا هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس قال أو قال ذلك؟ قالوا نعم فقال لقد صدق إني لأصدقه بأبعد من ذلك بخبر السماء غدوة وروحة فلذلك سمي الصديق إسناده جيد وقد ورد ذلك من حديث أنس وأبي هريرة أسندهما ابن عساكر وأم هانئ أخرجه الطبراني.
قال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا أبو معشر عن أبي وهب مولى أبي هريرة قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به فكان بذي طوى قال يا جبريل إن قومي لا يصدقوني قال يصدقك أبو بكر وهو الصديق وأخرجه الطبراني في الأوسط موصولا عن أبي وهب عن أبي هريرة.
وأخرج الحاكم في المستدرك عن النزال بن سبرة قال: قلنا لعلي يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أبي بكر قال ذاك امرؤ سماه الله الصديق على لسان جبريل وعلى لسان محمد كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا إسناده جيد.
وأخرج الدراقطني والحاكم عن أبي يحيى قال لا أحصي كم سمعت علياً يقول على المنبر: إن الله سمى أبا بكر على لسان نبيه صديقاً.
وأخرجه الطبراني بسند جيد صحيح عن حكيم بن سعد قال: سمعت علياً يقول ويحلف لأنزل الله اسم أبي بكر من السماء الصديق وفي حديث أحد " اسكن فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان " .
وأم أبي بكر بنت عم أبيه اسمها: سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب وتكنى أم الخير قاله الزهري أخرجه ابن عساكر.
3. في مولده ومنشئه
ولد بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وأشهر فإنه مات وله ثلاثة وستون سنة.
ال ابن كثير: وأما ما أخرجه خليفة بن الخياط عن يزيد بن الأصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: أنا أكبر أو أنت؟ قال أنت أكبر وأنا أسن منك فهو مرسل غريب جداً والمشهور خلافه وإنما صح ذلك عن العباس.
وكان منشؤه بمكة لا يخرج منها إلا لتجارة وكان ذا مال جزيل في قومه ومروءة تامة وإحسان وتفضل فيهم كما قال ابن الدغنة: إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتكسب المعدوم وتحمل الكل وتعين على نوائب الدهر وتقري الضيف.
قال النووي: وكان من رؤوساء قريش في الجاهلية وأهل مشاورتهم ومحبباً فيهم وأعلم لمعالمهم فلما جاء الإسلام آثره على ما سواه ودخل فيه أكمل دخول وأخرج الزبير بن بكار وابن عساكر عن معروف بن خربوذ قال: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أحد عشر من قريش اتصل بهم شرف الجاهلية والإسلام فكان إليه أمر الديات والغرم وذلك أن قريشاً لم يكن لهم ملك ترجع الأمور كلها إليه بل كان في كل قبيلة ولاية عامة تكون لرئيسها فكانت في بني هاشم السقاية والرفادة ومعنى ذلك أنه لا يأكل ولا يشرب أحد إلا من طعامهم وشرابهم وكانت في بني عبد الدار الحجابة واللواء والندوة أي لا يدخل البيت أحد إلا بإذنهم وإذا عقدت قريش راية حرب عقدها لهم بنو عبد الدار وإذا اجتمعوا لأمر إبراماً أو نقضاً لا يكون اجتماعهم إلا بدار الندوة ولا ينفذ إلا بها وكانت لبني عبد الدار.
4. كان أبو بكر أعف الناس في الجاهلية
أخرج ابن عساكر بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: والله ما قال أبو بكر شعراً قط في جاهلية ولا إسلام ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية.
وأخرج أبو نعيم بسند جيد عنها قالت: لقد كان حرم أبو بكر الخمر على نفسه في الجاهلية.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن الزبير قال: ما قال أبو بكر شعراً قط.
وأخرج ابن عساكر عن أبي العالية الرياحي قال: قيل لأبي بكر الصديق في مجمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هل شربت الخمر في الجاهلية؟ فقال: أعوذ بالله فقيل ولم؟ قال: كنت أصون عرضي واحفظ مروءتي فإن من شرب الخمر كان مضيعاً في عرضه ومروءته قال: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدق أبو بكر صدق أبو بكر مرتين مرسل غريب سنداً ومتناً.
5. في صفته رضي الله عنه
أخرج ابن سعد عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال لها: صفي لنا أبا بكر فقالت رجل أبيض نحيف خفيف العارضين أجنأ لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه معروق الوجه غائر العينين ناتئ الجبهة عاري الأشاجع هذه صفته.
وأخرج عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر كان يخضب بالحناء والكتم.
وأخرج عن أنس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس في أصحابه أشمط غير أبي بكر فلفها بالحناء والكتم.
6. في إسلامه رضي الله عنه
أخرج الترمذي وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قال أبو بكر: ألست أحق الناس بها أي الخلافة ألست أول من أسلم؟ ألست صاحب كذا؟ ألست صاحب كذا؟.
وأخرج ابن عساكر من طريق الحارث عن علي رضي الله عنه قال: أول من أسلم من الرجال أبو بكر.
وأخرج ابن أبي خيثمة بسند صحيح عن زيد بن أرقم قال: أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق.
وأخرج ابن سعد عن أبي أروى الدوسي الصحابي رضي الله عنه قال: أول من أسلم أبو بكر الصديق.
وأخرج الطبراني في الكبير وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن الشعبي قال: سألت ابن عباس أي الناس كان أول إسلاماً قال أبو بكر الصديق ألم تسمع قول حسان:
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها ... إلا النبي وأوفاها بما حملا
والثاني التالي المحمود مشهده ... وأول الناس منهم صدق الرسلا
وأخرج أبو نعيم عن فرات بن السائب: قال: سألت ميمون بن مهران قلت: علي أفضل عندك أم أبو بكر وعمر قال: فارتعد حتى سقطت عصاه من يده ثم قال: ما كنت أظن أن أبقى إلى زمان يعدل بهما لله درهماً كانا رأس الإسلام قلت: فأبو بكر كان أول إسلاماً أم علي قال والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم زمن بحيرا الراهب حين مر به واختلف فيما بنيه وبين خديجة حتى أنكحها إياه وذلك كله قبل أن يولد علي وقد قال إنه أول من أسلم خلائق من الصحابة والتابعين وغيرهم بل ادعى بعضهم الإجماع عليه وقيل أول من أسلم علي وقيل خديجة وجمع بين الأقوال بأن أبا بكر أول من أسلم من الرجال وعلى أول من أسلم من الصبيان وخديجة أول من أسلمت من النساء وأول من ذكر هذا الجمع الإمام أبو حنيفة رحمه الله أخرجه عنه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن عساكر عن سالم بن أبي الجعد قال: قلت لمحمد بن الحنفية هل كان أبو بكر أول القوم إسلاماً قال لا قلت: فيم علا أبو بكر وسبق حتى لا يذكر أحد غير أبي بكر؟ قال لأنه كان أفضلهم إسلاماً من حين أسلم حتى لحق بربه.
وأخرج ابن عساكر بسند جيد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أنه قال لأبيه سعد: أكان أبو بكر الصديق أولكم إسلاماً قال لا ولكنه أسلم قبله أكثر من خمسة ولكن كان خيرنا إسلاماً.
قال ابن كثير والظاهر أن أهل بيته صلى الله عليه وسلم آمنوا قبل كل أحد: زوجته خديجة ومولاه زيد وزوجة زيد أم أيمن وعلى وورقة انتهى.
وأخرج ابن عساكر عن عيسى بن يزيد قال: قال أبو بكر الصديق: كنت جالساً بفناء الكعبة وكان زيد بن عمرو بن نفيل قاعداً فمر به أمية ابن أبي الصلت فقال كيف أصبحت يا باغي الخير؟ قال بخير قال وهل وجدت قال لا فقال:
كل دين يوم القيامة إلا ... ما قضى الله في الحقيقة بور
أما إن هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم قال ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي ينتظر ويبعث قال فخرجت إلى ورقة بن نوفل وكان كثير النظر إلى السماء كثير همهمة الصدر فاستوقفته ثم قصصت عليه الحديث فقال نعم يا ابن أخي إنا أهل الكتب والعلوم إلا أن هذا النبي الذي ينتظر من أوسط العرب نسباً ولي علم بالنسب وقومك أوسط العرب نسباً قلت: يا عم وما يقول النبي؟ قال يقول ما قيل له إلا أنه لا يظلم ولا يظلم ولا يظالم فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت به وصدقته.
وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عتم عنه حين ذكرته وما تردد فيه " عتم: أي لبث قال البيهقي: وهذا لأنه كان يرى دلائل نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمع آثاره قبل دعوته فحين دعاه كان قد سبق له فيه تفكر ونظر فأسلم في الحال ثم أخرج عن أبي ميسرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع من يناديه يا محمد فإذا سمع الصوت ولى هاربا فأسر ذلك إلى أبي بكر وكان صديقاً له في الجاهلية.
وأخرج أبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما كلمت في الإسلام أحداً إلا أبى علي وراجعني الكلام إلا ابن أبي قحافة فإني لم أكلمه في شيء إلا قبله واستقام عليه:.
وأخرج البخاري عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ هل أنتم تاركون لي صاحبي إني قلت: أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت " .
7. في صحبته ومشاهده
قال العلماء صحب أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم من حين أسلم إلى حين توفي لم يفارقه سفراً ولا حضراً إلا فيما أذن له صلى الله عليه وسلم في الخروج فيه من حج وغزو وشهد معه المشاهد كلها وهاجر معه وترك عياله وأولاده رغبة في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو رفيقه في الغار قال تعالى " ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا " " التوبة: 40 " وقام بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير موضع وله الآثار الجميلة في المشاهد وثبت يوم أحد ويوم حنين وقد فر الناس كما سيأتي في فصل شجاعته.
أخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال: تباشرت الملائكة يوم بدر فقالوا أما ترون الصديق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش.
وأخرج أبو يعلى والحاكم وأحمد عن علي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ولأبي بكر " مع أحد كما جبريل ومع الآخر ميكائيل " .
وأخرج ابن عساكر عن ابن سيرين أن عبد الرحمن بن أبي بكر كان يوم بدر مع المشركين فلما أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي يوم بدر فانصرفت عنك ولم أقتلك فقال أبو بكر لكنك لو أهدفت لي لم أنصرف عنك.
قال ابن قتيبة: معنى أهدفت أشرفت ومنه قيل للبناء المرتفع هدف.
8. في شجاعته وأنه أشجع الصحابة رضي الله عنه
أخرج البزار في مسنده عن علي أنه قال: أخبروني من أشجع الناس؟ فقالوا أنت قال: أما إني ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه ولكن أخبروني بأشجع الناس قالوا لا نعلم فمن قال أبو بكر إنه لما كان يوم بدر فجعلتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً فقلنا من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوي إليه أحد من المشركين فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه فهو أشجع الناس قال علي رضي الله عنه ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش فهذا يجبأه وهذا يتلتله وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً قال: فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويجبأ هذا ويتلتل هذا وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ثم رفع على بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر فسكت القوم فقال ألا تجيبونني فوالله لساعة من أبي بكر خير من ألف ساعة من مثل مؤمن آل فرعون ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه.
وأخرج البخاري عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقاً شديداً فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟.
وأخرج الهيثم بن كليب في مسنده عن أبي بكر قال لما كان يوم أحد انصرف الناس كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أول من فاء وسيأتي تتمة الحديث في مسند ما رواه.
وأخرج ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا ثمانية وثلاثين رجلا ألح أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور فقال: يا أبا بكر إنا قليل فلم يزل أبو بكر يلح على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته وقام أبو بكر في الناس خطيباً فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين وضربوا في نواحي المسجد ضرباً شديداً وسيأتي تتمة الحديث في ترجمة عمر رضي الله عنه.
وأخرج ابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال لما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
9. في إنفاقه ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أجود الصحابة
قال الله تعالى: " وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى " " الليل: 18 " إلى آخر السورة قال ابن الجوزي أجمعوا على أنها نزلت في أبي بكر.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر " فبكى أبو بكر وقال هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟.
وأخرج أبو يعلى من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً مثله.
قال ابن كثير وروى أيضاً من حديث علي وابن عباس وأنس وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم وأخرجه الخطيب عن سعيد بن المسيب مرسلا وزاد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه.
وأخرج ابن عساكر من طرق عن عائشة رضي الله عنها وعروة بن الزبير " أن أبا بكر رضي الله عنه أسلم يوم أسلم وله أربعون ألف دينار وفي لفظ أربعون ألف درهم فأنفقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
وأخرج أبو سعيد بن الأعرابي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أسلم أبو بكر رضي الله عنه يوم أسلم وفي منزله أربعون ألف درهم فخرج إلى المدينة في الهجرة وماله غير خمسة آلاف كل ذلك بنفقة في الرقاب والعون على الإسلام.
وأخرج ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر أعتق سبعة كلهم يعذب في الله.
وأخرج ابن شاهين في السنة والبغوي في تفسيره وابن عساكر عن ابن عمر قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خللها في صدره بخلال فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال يا محمد مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها في صدره بخلال فقال يا جبريل أنفق ماله على قبل الفتح قال فإن الله تعالى يقرأ عليه السلام ويقول قل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط فقال أبو بكر أسخط على ربي أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض غريب وسنده ضعيف جداً.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة وابن مسعود مثله وسندهما ضعيف أيضاً.
وأخرج ابن عساكر نحوه من حديث ابن عباس.
وأخرج الخطيب بسند واه أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هبط على جبريل عليه السلام وعليه طنفسة وهو متخلل بها: فقلت له: يا جبريل ما هذا قال إن الله تعالى أمر الملائكة أن تتخلل في السماء كتخلل أبي بكر في الأرض.
قال ابن كثير: وهذا منكر جداً وقال ولولا أن هذا والذي قبله يتداوله كثير من الناس لكان الإعراض عنهما أولى.
وأخرج أبو داود والترمذي عن عمر بن الخطاب قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي قلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك قلت مثله وأتي أبو بكر بكل ما عنده فقال يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسبقه في شيء أبداً قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الحسن البصري: أن أبا بكر أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته فأخفاها فقال: يا رسول الله هذه صدقتي ولله عندي معاد وجاء عمر بصدقته فأظهرها فقال يا رسول الله هذه صدقتي ولي عند الله معاد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بين صدقتيكما كما بين كلمتيكما " إسناده جيد لكنه مرسل.
واخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه إلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر " .
وأخرج البزار عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: جئت بأبي قحافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هلا تركت الشيخ حتى آتيه قال بل هو أحق أن يأتيك قال إنا نحفظه لأيادي ابنه عندنا " .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أحد عندي أعظم يداً من أبي بكر واساني بنفسه وماله وأنكحني ابنته " .
10. في علمه وأنه أعلم الصحابة وأذكاهم
قال النووي في تهذيبه ومن خطه نقلت استدل أصحابنا على عظم علمه بقوله رضي الله عنه في الحديث الثابت في الصحيحين: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه واستدل الشيخ أبو إسحاق بهذا وغيره في طبقاته على أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعلم الصحابة لأنهم كلهم وقفوا عن فهم الحكم في المسألة إلا هو ثم ظهر لهم بمباحثته لهم أن قوله هو الصواب فرجعوا إليه.
وروينا عن ابن عمر أنه سئل من كان يفتي الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ما أعلم غيرهما.
وأخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: إن الله تبارك وتعالى خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله تعالى فبكى أبو بكر وقال نفديك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من آمن الناس على في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذاً خليلا غير ربي لاتخدت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين باب إلا سد إلا باب أبي بكر " هذا كلام النووي.
وقال ابن كثير: كان الصديق رضي الله عنه أقرأ الصحابة أي أعلمهم بالقرآن لأنه صلى الله عليه وسلم قدمه إماماً للصلاة بالصحابة رضي الله عنه مع قوله " يوم القوم أقرؤهم لكتاب الله " .
وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره " .
وكان مع ذلك أعلمهم بالسنة كما رجع إليه الصحابة في غير موضع يبرز عليهم بنقل سنن عن النبي صلى الله عليه وسلم يحفظها هو ويستحضرها عند الحاجة إليها ليست عندهم وكيف لا يكون كذلك وقد واظب على صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم من أول البعثة إلى الوفاة وهو مع ذلك من أذكى عباد الله وأعقلهم وإنما لم يرو عنه من الأحاديث المسندة إلا القليل لقصر مدته وسرعة وفاته بعد النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فلو طالت مدته لكثر ذلك عنه جداً ولم يترك الناقلون عنه حديثاً إلا نقلوه ولكن كان الذين في زمانه من الصحابة لا يحتاج أحد منهم أن ينقل عنه ما قد شاركه هو في روايته فكانوا ينقلون عنه ما ليس عندهم.
وأخرج أبو القاسم البغوي عن ميمون بن مهران قال كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي به بينهم قضى به وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه آله وسلم في ذلك الأمر سنة قضى بها فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضاء فيقول أبو بكر الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا فإن أعياه أن يجد فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم فإن أجمع أمرهم على رأى قضى به وكان عمر رضي الله عنه يفعل ذلك فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان لأبي بكر فيه قضاء فإن وجد أبا بكر قضى فيه بقضاء قضى به وإلا دعا رؤوس المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر قضى به.
وكان الصديق رضي الله عنه مع ذلك أعلم الناس بأنساب العرب لا سيما قريش أخرج ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن شيخ من الأنصار قال: كان جبير بن مطعم من أنسب قريش لقريش والعرب قاطبة وكان يقول إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق وكان أبو بكر الصديق من أنسب العرب.
وكان الصديق مع ذلك غاية في علم تعبير الرؤيا وقد كان يعبر الرؤيا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال محمد بن سيرين وهو المقدم في هذا العلم بالاتفاق كان أبو بكر أعبر هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن سعد.
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس وابن عساكر عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أؤول الرؤيا وأن أعلمها أبا بكر " .
قال ابن كثير وكان من أفصح الناس وأخطبهم قال الزبير بن بكار: سمعت بعض أهل العلم يقول: أفصح خطباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وسيأتي في حديث السقيفة قول عمر رضي الله عنه وكان من أعلم الناس بالله وأخوفهم له وسيأتي من كلامه في ذلك وفي تعبير الرؤيا ومن خطبه جملة في فصل مستقل.
ومن الدلائل على أنه أعلم الصحابة حديث صلح الحديبية حيث سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك الصلح وقال: علام نعطى الدنية في ديننا؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذهب إلى أبي بكر فسأله عما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه كما أجابه النبي صلى الله عليه وسلم سواء بسواء أخرجه البخاري وغيره.
وكان مع ذلك أشد الصحابة رأياً وأكملهم عقلا أخرج تمام الرازي في فوائد وابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أتاني جبريل فقال إن الله يأمرك أن تستشير أبا بكر " وأخرج الطبراني وأبو نعيم وغيرهما عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يسرح معاذاً إلى اليمن استشار ناساً من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وأسيد بن حضير فتكلم القوم كل إنسان برأيه فقال ما ترى يا معاذ قالت أرى ما قال أبو بكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يكره فوق سمائه أن يخطأ أبو بكر ورواه ابن أبي أسامة في مسنده " إن الله يكره في السماء أن يخطأ أبو بكر الصديق في الأرض " وأخرج الطبراني في الوسط عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله يكره أن يخطأ أبو بكر " رجاله ثقات.
11. قال النووي في تهذيبه الصديق أحد الصحابة الذين حفظوا القرآن كله
وذكر هذا أيضاً جماعة منهم ابن كثير في تفسيره وأما حديث أنس " جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة " فمراده من الأنصار كما أوضحته في كتاب الإتقان وأما ما أخرجه ابن أبي داود عن الشعبي قال مات أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولم يجمع القرآن كله فهو مدفوع أو مؤول على أن المراد جمعه في المصحف على الترتيب الذي صنعه عثمان رضي الله عنه. فصل في أنه أفضل الصحابة وخيرهم
أهل السنة أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم سائر العشرة ثم باقي أهل بدر ثم باقي أهل أحد ثم باقي أهل البيعة ثم باقي الصحابة هكذا حكى الإجماع عليه أبو منصور البغدادي.
وروى البخاري عن ابن عمر قال: كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر ابن الخطاب ثم عثمان ابن عفان رضي الله عنهم وزاد الطبراني في الكبير فيعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكره.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر قال: كنا وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفضل أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً.
وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال: كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن متوافرون نقول أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت.
وأخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله قال: قال عمر لأبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أما إنك إن قلت ذاك فلقد سمعته يقول: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر.
وأخرج البخاري عن محمد بن علي بن أبي طالب قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر قلت: ثم من؟ قال عمر وخشيت أن يقول عثمان فقلت: ثم أنت؟ قال ما أنا إلا رجل من المسلمين.
وأخرج أحمد وغيره عن علي قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر قال الذهبي: هذا متواتر عن علي فلعن الله الرافضة ما أجهلهم.
وأخرج الترمذي والحاكم عن عمر بن الخطاب قال: أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر صعد المنبر ثم قال: ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر فمن قال غير هذا فهو مفتر عليه ما على المفتري.
وأخرج أيضاً عن ابن أبي ليلى قال: قال علي: لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري.
وأخرج عبد الرحمن بن حميد في مسنده وأبو نعيم وغيرهما من طرق عن أبي الدرداء " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد أفضل من أبي بكر إلا أن يكون نبي " وفي لفظ " على أحد من المسلمين بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر " .
وقد ورد أيضاً من حديث جابر ولفظه ما طلعت الشمس على أحد منكم أفضل منه أخرجه الطبراني وغيره وله شواهد من وجوه أخر تقضى له بالصحة أو الحسن وقد أشار ابن كثير إلى الحكم بصحته.
وأخرج الطبراني عن سلمة بن الأكوع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبو بكر الصديق خير الناس إلا أن يكون نبي " وفي الأوسط عن سعد بن زرارة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن روح القدس جبريل أخبرني أن خير أمتك بعدك أبو بكر " .
وأخرج الشيخان عن عمرو بن العاص قال: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة قلت: من الرجال قال أبوها قلت ثم من؟ قال ثم عمر بن الخطاب وقد ورد هذا الحديث بدون ثم عمر في رواية أنس وابن عمرو وابن عباس.
وأخرج الترمذي والنسائي والحاكم عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أبو بكر قلت ثم من قالت ثم عمر قلت ثم من؟ قالت أبو عبيدة بن الجراح.
وأخرج الترمذي وغيره عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر " هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين " وأخرج مثله عن علي.
وفي الباب عن ابن عباس وابن عمر: وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمار بن ياسر قال من فضل على أبي بكر وعمر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أزرى على المهاجرين والأنصار.
وأخرج ابن سعيد عن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: هل قلت في أبي بكر شيئاً؟ قال نعم فقال قل وأنا أسمع فقال:
والثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدو به إذ صعد الجبلا
وكان حب رسول الله قد علموا ... من البرية لم يعدل به رجلا
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: صدقت يا حسان هو كما قلت.
فصل: روى أحمد والترمذي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأعلمهم الحلال والحرام معاذ بن جبل وأفرضهم زيد بن ثابت وأقرؤهم أبي بن كعب ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " وأخرجه أبو يعلى من حديث ابن عمر وزاد فيه " وأقضاهم علي " وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث شداد بن أوس وزاد " وأبو ذر أزهد أمتي وأصدقها وأبو الدرداء أعبد أمتي وأتقاها ومعاوية بن أبي سفيان أحلم أمتي وأجودها " وقد سئل شيخنا العلامة الكافيجي عن هذه التفضيلات: هل تنافي التفضيل السابق فأجاب بأنه لا منافاة.
12. فيما أنزل من الآيات في مدحه أو تصديقه أو أمر من شأنه
اعلم أني رأيت لبعضهم كتاباً في أسماء من نزل فيهم القرآن غير محرر ولا مستوعب وقد ألفت في ذلك كتاباً حافلا مستوعباً محرراً وأنا ألخص هنا ما يتعلق منه بالصديق رضي الله عنه.
قال تعالى " ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه " " التوبة:40 " أجمع المسلمون على أن الصاحب المذكور أبو بكر وسيأتي فيه أثر عنه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى " فأنزل الله سكينته عليه " " التوبة: 40 " قال على أبي بكر إن النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل السكينة عليه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبي بن خلف ببردة وعشر أواق فأعتقه لله فأنزل الله " والليل إذا يغشى " " الليل: 1 " إلى قوله " إن سعيكم لشتى " " الليل: 4 " سعي أبي بكر وأمية وأبي.
وأخرج ابن جرير عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن فقال أبوه أي بنى أراك تعتق أناساً ضعافاً فلو أنك تعتق رجالا جلداً يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك قال أي أبت أنا أريد ما عند الله قال فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية نزلت فيه " فأما من أعطى واتقى " " الليل: 5 " إلى آخرها.
وأخرج أبن أبي حاتم والطبراني عن عروة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعتق سبعة كلهم يعذب في الله وفيه نزلت " وسيجنبها الأتقى " " الليل: 17 " إلى آخر السورة.
وأخرج البزار عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت هذه الآية " وما لأحد عنده من نعمة تجزى " " الليل: 19 " إلى آخر السورة في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وأخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر لم يكن يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين.
وأخرج البزار وابن عساكر عن أسيد بن صفوان وكانت له صحبة قال: قال علي: والذي جاء بالحق محمد وصدق به أبو بكر الصديق قال ابن عساكر هكذا الرواية بالحق ولعلها قراءة لعلي.
وأخرج الحاكم عن ابن عباس في قوله تعالى " وشاورهم في الأمر " " آل عمران: 159 " قال: نزلت في أبي بكر وعمر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب قال: نزلت " ولمن خاف مقام ربه جنتان " " الرحمن: 46 " في أبي بكر رضي الله عنه وله طرق أخرى ذكرتها في أسباب النزول.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر وابن عباس في قوله تعالى: " وصالح المؤمنين " " التحريم: 4 " قال نزلت في أبي بكر وعمر.
وأخرج عبد الله بن أبي حميد في تفسيره عن مجاهد قال لما نزلت " إن الله وملائكته يصلون على النبي " " الأحزاب: 56 " قال أبو بكر يا رسول الله ما أنزل الله عليك خيراً إلا أشركنا فيه فنزلت هذه الآية " هو الذي يصلى عليكم وملائكته " " الأحزاب: 43 " .
وأخرج ابن عساكر عن علي بن الحسين أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي " ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين " " الحجر: 47 " .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: نزلت في أبي بكر الصديق " ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً " " الأحقاف: 15 " إلى قوله " وعد الصدق الذي كانوا يوعدون " " الأحقاف: 16 " .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عيينة قال عاتب الله المسلمين كلهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر وحده فإنه خرج من المعاتبة ثم قرأ " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار " " التوبة: 40 " .
13. في الأحاديث الواردة في فضله مقروناً بعمر سوى ما تقدم
أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال: من لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري وبينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه فكلمته فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث قال الناس سبحان الله بقرة تتكلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر وما ثم أبو بكر وعمر أي لم يكونا في المجلس شهد لهما بالإيمان بذلك لعلمه بكمال إيمانها.
وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء ووزيران من أهل الأرض فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر " وأخرج أصحاب السنن وغيرهم عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة " وذكر تمام العشرة.
وأخرج الترمذي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أهل الدرجات العلي ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأخرجه الطبراني من حديث جابر ابن سمرة وأبو هريرة.
وأخرج الترمذي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس فيهم أبو بكر وعمر فلا يرفع إليه أحد منهم بصره إلا أبو بكر وعمر فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما ويتبسمان إليه ويتبسم إليهما " .
وأخرج الترمذي والحاكم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " خرج ذات يوم فدخل المسجد وأبو بكر وعمر أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وهو آخذ بأيديهما وقال: هكذا نبعث يوم القيامة " وأخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة.
وأخرج الترمذي والحاكم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر ثم عمر " .
وأخرج الترمذي والحاكم وصححه عن عبد الله بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أبا بكر وعمر فقال " هذان السمع والبصر " وأخرجه الطبراني من حديث ابن عمر وابن عمرو.
وأخرج البزار والحاكم عن أبي أروى الدوسي قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر وعمر فقال: الحمد لله الذي أيدني بكما وورد أيضاً من حديث البراء بن عازب أخرجه الطبراني في الأوسط.
وأخرج أبو يعلى عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتاني جبريل آنفاً فقلت يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب فقال لو حدثتك بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ما نفدت فضائل عمر وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر " .
وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر " لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما " وأخرجه الطبراني من حديث البراء بن عازب.
وأخرج ابن سعد عن ابن عمر أنه سئل من كان يفتي في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أبو بكر وعمر ولا أعلم غيرهما " .
وأخرج عن القاسم بن محمد قال كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يفتون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن لكل نبي خاصة من أمته وإن خاصتي من أصحابي أبو بكر وعمر " .
وأخرج ابن عساكر عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالا رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مراً تركه الحق وماله من صديق رحم الله عثمان تستحييه الملائكة رحم الله علياً اللهم أدر الحق معه حيث دار " .
وأخرج الطبراني عن سهل رضي الله عنه قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا له ذلك أيها الناس إني راض عنه وعن عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف والمهاجرين الأولين فاعرفوا ذلك لهم " .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن ابن أبي حازم قال: جاء رجل إلى علي بن الحسين فقال ما كان منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كمنزلتهما منه الساعة.
وأخرج ابن سعد عن بسطام بن مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر " لا يتأمر عليكما أحد بعدي " .
وأخرج ابن عساكر عن أنس مرفوعاً " حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما كفر " .
وأخرج عن ابن مسعود قال: حب أبي بكر وعمر ومعرفتهما من السنة.
وأخرج عن أنس مرفوعاً " إني لأرجو لأمتي في حبهم لأبي بكر وعمر ما أرجو لهم في قول: لا إله إلا الله.
14. في الأحاديث الواردة في فضله وحده سوى ما تقدم
أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر ما على من يدعى من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله قال نعم فأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر " .
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي " وأخرج الشيخان عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من أمن الناس علي في صحبته وما له أبا بكر ولو كنت متخذاً خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام " .
وقد ورد هذا الحديث من رواية ابن عباس وابن الزبير وابن مسعود وجندب بن عبد الله والبراء وكعب بن مالك وجابر بن عبد الله وأنس وأبي واقد الليثي وأبي المعلى وعائشة وأبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم وقد سردت طرقهم في الأحاديث المتواترة.
وأخرج البخاري عن أبي الدرداء قال كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر فسلم وقال إنه كان بيني وبين عمر بن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى على فأقبلت إليك فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فلم يجده فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال يا رسول الله والله أنا كنت أظلم منه مرتين فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركون لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها " .
وأخرج ابن عدي من حديث ابن عمر رضي الله عنه نحوه وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تؤذوني في صاحبي فإن الله بعثني بالهدى ودين الحق فقلتم: كذبت وقال أبو بكر: صدقت ولو لا أن الله سماه صاحباً لاتخذته خليلا ولكن أخوة الإسلام " .
وأخرج ابن عساكر عن المقدام قال: استب عقيل بن أبي طالب وأبو بكر قال: وكان أبو بكر نساباً غير أنه تحرج من قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه وشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فقال " ألا تدعون لي صاحبي ما شأنكم وشأنه فوالله ما منكم رجل إلا على باب بيته ظلمة إلا باب أبي بكر فإن على بابه النور فوالله لقد قلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وأمسكتم الأموال وجادلي بماله وخذلتموني وواساني واتبعني " .
وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنك لست تصنع ذلك خيلاء " .
وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أصبح منكم اليوم صائماً قال أبو بكر أنا قال فمن تبع منكم جنازة قال أبو بكر أنا قال فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً قال أبو بكر أنا قال: فمن عاد اليوم منكم مريضاً قال أبو بكر أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة " .
وقد ورد هذا الحديث من رواية أنس بن مالك وعبد الرحمن بن أبي بكر فحديث أنس أخرجه البيهقي في الأصل وفي آخره " وجبت لك الجنة وحديث عبد الرحمن أخرجه البزار ولفظه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على أصحابه بوجهه فقال: من أصبح منكم اليوم صائماً فقال عمر يا رسول الله لم أحدث نفسي بالصوم البارحة فأصبحت مفطراً فقال أبو بكر ولكني حدثت نفسي بالصوم البارحة فأصبحت صائماً فقال هل أحد منكم اليوم عاد مريضاً فقال عمر يا رسول الله لم نبرح فكيف نعود المريض فقال أبو بكر بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاك فجعلت طريقي عليه لأنظر كيف أصبح فقال هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً فقال عمر صلينا يا رسول الله ثم لم نبرح فقال أبو بكر دخلت المسجد فإذا بسائل فوجدت كسرة من خبز الشعير في يد عبد الرحمن فأخذتها ودفعتها إليه فقال أنت فأبشر بالجنة ثم قال كلمة أرضى بها عمر وزعم عمر أنه لم يرد خيراً قط إلا سبقه إليه أبو بكر " .
أبو يعلى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال كنت في المسجد أصلى فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر فوجدني أدعو فقال سل تعطه ثم قال " من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً فليقرأ بقراءة ابن أم عبد " فرجعت إلى منزلي فأتاني أبو بكر فبشرني ثم أتى عمر فوجد أبا بكر خارجاً قد سبقه فقال إنك لسباق بالخير.
وأخرج أحمد بسند حسن عن ربيعة الأسلمي رضي الله عنه قال جرى بيني وبين أبي بكر كلام فقال لي كلمة كرهتها وندم فقال لي يا ربيعة رد على مثلها حتى يكون قصاصاً قلت: لا أفعل قال أبو بكر لتقولن أو لأستعدين عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما أنا بفاعل فانطلق أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وانطلقت أتلوه وجاء أناس من أسلم فقالوا لي رحم الله أبا بكر في أي شيء يستعدي عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال لك ما قال؟ فقلت أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق هذا ثاني اثنين وهذا ذو شيبة المسلمين إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله عز وجل لغضبهما فيهلك ربيعة قالوا ما تأمرنا؟ قال ارجعوا وانطلق أبو بكر رضي الله عنه وتبعته وحدي حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث كما كان فرفع إلي رأسه فقال يا ربيعة ما لك والصديق فقلت يا رسول الله كان كذا وكذا فقال لي كلمة كرهتها فقال لي قل كما قلت حتى يكون قصاصاً فأبيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل لا ترد عليه ولكن قل قد غفر الله لك يا أبا بكر فقلت غفر الله لك يا أبا بكر قال الحسن قولي أبو بكر رضي الله عنه وهو يبكي.
وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: " أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار " .
وأخرج عبد الله بن أحمد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار " إسناده حسن.
وأخرج البيهقي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن في الجنة طيراً كأمثال البخاتي قال أبو بكر إنها لناعمة يا رسول الله قال أنعم منها من يأكلها وأنت ممن يأكلها " وقد ورد هذا الحديث من رواية أنس.
وأخرج أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عرج بي إلى السماء فما مررت بسماء إلا وجدت فيها اسمي محمد رسول الله وأبو بكر الصديق خلفي " إسناده ضعيف لكنه ورد أيضاً من حديث ابن عباس وابن عمر وأنس وأبي سعيد وأبي الدرداء رضي الله عنهم بأسانيد ضعيفة يشد بعضها بعضاً.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: قرأت عند النبي صلى الله عليه وسلم " يا أيتها النفس المطمئنة " فقال أبو بكر يا رسول الله إن هذا لحسن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما إن الملك سيقولها لك عند الموت " .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال لما نزلت " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم " الآية قال أبو بكر: يا رسول الله لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت فقال " صدقت " .
وأخرج أبو القاسم البغوي: حدثنا داود بن عمر حدثنا عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه غديراً فقال: ليسبح كل رجل إلى صاحبه قال: فسبح كل رجل حتى بقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر حتى اعتنقه وقال: " لو كنت متخذاً خليلا حتى ألقى الله لاتخذت أبا بكر خليلا ولكنه صاحبي " تابعه وكيع عن عبد الجبار بن الورد أخرجه ابن عساكر وعبد الجبار ثقة شيخه ابن أبي ملكية إمام إلا أنه مرسل وهو غريب جداً.
قلت: أخرجه الطبراني في الكبير وابن شاهين في السنة من وجه آخر موصولا عن ابن عباس.
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق وابن عساكر من طريق صدقة بن ميمون القرشي عن سليمان بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خصال الخير ثلاثمائة وستون خصلة إذا أراد الله بعبد خيراً جعل فيه خصلة منها يدخل بها الجنة " قال أبو بكر: يا رسول الله أفي شيء منها قال " نعم جمعاً من كل " .
وأخرج ابن عساكر من طريق أخرى عن صدقة القرشي عن رجل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خصال الخير ثلاثمائة وستون فقال أبو بكر يا رسول الله لي منها شيء قال: كلها فيك فهنيئاً لك يا أبا بكر " .
وأخرج ابن عساكر من طريق مجمع بن يعقوب الأنصاري عن أبيه قال: إن كانت حلقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتشتبك حتى تصير كالأسوار وإن مجلس أبي بكر منها لفارغ ما يطمع فيه أحد من الناس فإذا جاء أبو بكر جلس ذلك المجلس وأقبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه وألقى إليه حديثه وسمع الناس.
وأخرج ابن عساكر عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حب أبي بكر وشكره واجب على كل أمتي " .
وأخرج مثله في حديث سهل بن سعد.
وأخرج عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً " الناس كلهم يحاسبون إلا أبا بكر " .
15. فيما ورد من كلام الصحابة والسلف الصالح في فضله
أخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب: أبو بكر سيدنا.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عمر رضي الله عنه قال: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم.
وأخرج ابن أبي خيثمة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عمر رضي الله عنه قال: إن أبا بكر كان سابقاً مبرزاً.
وقال عمر: لوددت أني شعرة في صدر أبي بكر أخرجه مسدد في مسنده.
وقال: وددت أني من الجنة حيث أرى أبا بكر أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عساكر.
وقال: لقد كان ريح أبي بكر أطيب من ريح المسك أخرجه أبو نعيم.
وأخرج ابن عساكر عن علي أنه دخل على أبي بكر وهو مسجى فقال: ما أحد لقي الله بصحيفته أحب إلى من هذا المسجى.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثني عمر بن الخطاب أنه ما سبق أبا بكر إلى خير قط إلا سبقه به.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي قال: والذي نفسي بيده ما استبقنا إلى خير قط إلا سبقنا إليه أبو بكر.
وأخرج في الأوسط أيضاً عن جحيفة قال: قال علي خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر وعمر لا يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر في قلب مؤمن.
وأخرج في الكبير عن ابن عمر قال: ثلاثة من قريش أصبح قريش وجوهاً وأحسنها أخلاقاً وأثبتها جناناً إن حدثوك لم يكذبوك وإن حدثتهم لم يكذبوك أبو بكر الصديق وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن عفان.
وأخرج ابن سعد عن إبراهيم النخعي قال: كان أبو بكر يسمى الأواه لرأفته ورحمته.
وأخرج ابن عساكر عن الربيع بن أنس قال: مكتوب في الكتاب الأول: مثل أبي بكر الصديق مثل القطر أينما وقع نفع.
وأخرج ابن عساكر عن الربيع بن أنس قال: نظرنا في صحابة الأنبياء فما وجدنا نبياً كان له صاحب مثل أبي بكر الصديق.
وأخرج عن الزهري قال: من فضل أبي بكر أنه لم يشك في الله ساعة قط.
وأخرج عن الزبير بن بكار قال: سمعت بعض أهل العلم يقول: خطباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
وأخرج عن أبي حصين قال: ما ولد لآدم في ذريته بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر ولقد قام أبو بكر يوم الردة مقام نبي من الأنبياء.
فصل: أخرج الدينوري في المجالسة وابن عساكر عن الشعبي قال خص الله تبارك وتعالى أبا بكر بأربع خصال لم يخص بها أحداً من الناس سماه الصديق ولم يسم أحداً الصديق غيره وهو صاحب الغار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفيقه في الهجرة وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة والمسلمون شهود.
وأخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحف عن جعفر قال: كان أبو بكر يسمع مناجاة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يراه.
وأخرج الحاكم عن ابن المسيب قال: كان أبو بكر من النبي صلى الله عليه وسلم مكان الوزير فكان يشاوره في جميع أموره وكان ثانيه في الإسلام وثانيه في الغار وثانيه في العريش يوم بدر وثانيه في القبر ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم عليه أحداً.
16. في الأحاديث والآيات المشيرة إلى خلافته
وكلام الأئمة في ذلك
أخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " .
وأخرجه الطبراني من حديث أبي الدرداء والحاكم من حديث ابن مسعود ورضي الله عنه.
وأخرج أبو القاسم البغوي بسند حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يكون خلفي اثنا عشر خليفة: أبو بكر لا يلبث إلا قليلا " صدر هذا الحديث مجمع على صحته وارد من طرق عدة وقد تقدم شرحه في أول هذا الكتاب وفي الصحيحين في الحديث السابق أنه صلى الله عليه وسلم لما خطب قرب وفاته وقال: " إن عبداً خيره الله " الحديث وفي آخره " ولا يبقين باب إلا سد إلا باب أبي بكر وفي لفظ لهما " لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر " قال العلماء: هذا إشارة إلى الخلافة لأنه يخرج منها إلى الصلاة بالمسلمين وقد ورد هذا اللفظ من حديث أنس رضي الله عنه ولفظه " سدوا هذه الأبواب الشارعة في المسجد إلا باب أبي بكر " أخرجه ابن عدي ومن حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه الترمذي وغيره ومن حديث ابن عباس في زوائد المسند ومن حديث معاوية بن أبي سفيان أخرجه الطبراني ومن حديث أنس أخرجه البزار.
وأخرج الشيخان عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن أبيه قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه قالت أرأيت إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت قال صلى الله عليه وسلم " إن لم تجديني فأتي أبا بكر " .
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس رضي الله عنه قال: بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سله إلى من ندفع صدقاتنا بعدك فأتيته فسألته فقال " إلى أبي بكر " .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله شيئاً فقال لها تعودين فقالت: يا رسول الله إن عدت فلم أجدك تعرض بالموت فقال: " إن جئت فلم تجديني فأتي أبا بكر فإنه الخليفة من بعدي " .
وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه " ادعى لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " .
وأخرج أحمد وغيره من طرق عنها وفي بعضها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي فيه مات: " ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه أحد بعدي ثم قال: دعيه معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر " .
وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلف قالت: أبو بكر قيل لها ثم من بعد أبي بكر قالت: عمر قيل لها: من بعد عمر قالت: أبو عبيدة بن الجراح.
وأخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: مرض النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت عائشة: يا رسول الله إنه رجل رقيق القلب إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلى بالناس فقال: مري أبا بكر فليصل بالناس فعادت فقال: مري أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحديث متواتر ورد أيضاً من حديث عائشة وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن زمعة وأبي سعيد وعلي بن أبي طالب وحفصة رضي الله عنها وقد سقت طرقهم في الأحاديث المتواترة وفي بعضها عن عائشة رضي الله عنها: لقد راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبداً وإلا أني كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر.
وفي حديث ابن زمعة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة وكان أبو بكر غائباً فتقدم عمر فصلى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا لا لا يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر يصلي بالناس أبو بكر " .
وفي حديث ابن عمر " كبر عمر فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فأطلع رأسه مغضباً فقال أين ابن أبي قحافة " .
قال العلماء: في هذا الحديث أوضح دلالة على أن الصديق أفضل الصحابة على الإطلاق وأحقهم بالخلافة وأولاهم بالإمامة قال الأشعري: قد علم بالضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الصديق أن يصلى بالناس مع حضور المهاجرين والأنصار مع قوله " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " فدل على أنه كان أقرأهم أي أعلمهم بالقرآن انتهى.
وقد استدل الصحابة أنفسهم بهذا على أنه أحق بالخلافة منهم عمر وسيأتي قوله في فصل المبايعة ومنهم علي.
وأخرج ابن عساكر عنه قال لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس وإني أشاهد وما أنا بغائب وما بي مرض فرضينا لدنيانا ما رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا.
قال العلماء: وقد كان معروفاً بأهلية الإمامة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أحمد وأبو داود وغيرهما عن سهل بن سعد قال: كان قتال بين بني عمرو بن عوف فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم وقال: يا بلال إن حضرت الصلاة ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس فلما حضرت صلاة العصر أقام بلال الصلاة ثم أمر أبا بكر فصلى.
وأخرج أبو بكر الشافعي في الغيلانيات وابن عساكر عن حفصة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أنت مرضت قدمت أبا بكر قال: " لست أنا أقدمه ولكن الله يقدمه " .
وأخرج الدارقطني في الأفراد والخطيب وابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " سألت الله أن يقدمك ثلاثاً فأبى على إلا تقديم أبي بكر " .
وأخرج ابن سعد عن الحسن قال: قال أبو بكر " يا رسول الله ما أزال أراني أطأ في عذرات الناس قال: لتكونن من الناس بسبيل قال ورأيت في صدري كالرقمتين قال: سنتين " .
وأخرج ابن عساكر عن أبي بكرة قال: أتيت عمر وبين يديه قوم يأكلون فرمى ببصرة في مؤخر القوم إلى رجل فقال ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب قال: خليفة النبي صلى الله عليه وسلم صديقه.
وأخرج ابن عساكر عن محمد بن الزبير قال: أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أسأله عن أشياء فجئته فقلت له اشفني فيما اختلف الناس فيه هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر فاستوى الحسن قاعداً وقال أو في شك هو لا أبا لك أي والله الذي لا إله إلا هو لقد استخلفته ولهو كان أعلم بالله وأتقى له وأشد له مخافة من أن يموت عليها لو لم يؤمره.
وأخرج ابن عدي عن أبي بكر بن عياش قال: قال لي الرشيد يا أبا بكر كيف استخلف الناس أبا بكر الصديق قلت يا أمير المؤمنين سكت الله وسكت رسوله وسكت المؤمنون قال والله ما زدتني إلا غماً قال: يا أمير المؤمنين مرض النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية أيام فدخل عليه بلال فقال يا رسول الله من يصلي بالناس قال مر أبا بكر يصلي بالناس فصلى أبو بكر بالناس ثمانية أيام والوحي ينزل فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسكوت الله وسكت المؤمنون لسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبه فقال بارك الله فيك.
وقد استنبط جماعة من العلماء خلافة الصديق من آيات القرآن فأخرج البيهقي عن الحسن البصري في قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " " المائدة: 54 " قال هو والله أبو بكر وأصحابه لما ارتدت العرب جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردوهم إلى الإسلام.
وأخرج يونس بن بكير عن قتادة قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب فذكر قتال أبي بكر لهم إلى أن قال فكنا نتحدث أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وأصحابه " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " " المائدة: 54 " .
وأخرج ابن أبي حاتم عن جويبر في قوله تعالى " قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد " " الفتح: 16 " قال: هم بنو حنيفة قال ابن أبي حاتم وابن قتيبة هذه الآية حجة على خلافة الصديق لأنه الذي دعا إلى قتالهم.
وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري: سمعت أبا العباس بن شريح يقول خلافة الصديق في القرآن في هذه الآية قال لأن أهل العلم أجمعوا على أنه لم يكن بعد نزولها قتال دعوا إليه الإدعاء أبي بكر لهم وللناس إلى قتال أهل الردة ومن منع الزكاة قال فدل ذلك على وجوب خلافة أبي بكر وافتراض طاعته إذ أخبر الله أن المتولي عن ذلك يعذب عذاباً أليماً قال ابن كثير: ومن فسر القوم بأنهم فارس والروم فالصديق هو الذي جهز الجيوش إليهم وتمام أمرهم كان على يد عمر وعثمان وهما فرعا الصديق وقال تعالى " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض " " النور: 55 " الآية قال ابن كثير: هذه الآية منطبقة على خلافة الصديق.
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الرحمن بن عبد الحميد المهدي قال: إن ولاية أبي بكر وعمر في كتاب الله يقول الله " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض " " النور: 55 " الآية.
وأخرج الخطيب عن أبي بكر بن عياش قال أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن لأن الله تعالى يقول " للفقراء المهاجرين " إلى قوله " أولئك هم الصديقون " " الحديد: 16 " فمن سماه الله صديقاً فليس يكذب وهم قالوا يا خليفة رسول الله قال ابن كثير استنباط حسن.
وأخرج البيهقي عن الزعفران قال: سمعت الشافعي يقول أجمع الناس على خلافة أبي بكر الصديق وذلك أنه اضطر الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجدوا تحت أديم السماء خيراً من أبي بكر فولوه رقابهم.
وأخرج أسد السنة في فضائله عن معاوية بن قرة قال: ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون أن أبا بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كانوا يجتمعون على خطأ ولا ضلال.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سيئ وقد رأى الصحابة جميعاً أن يستخلفوا أبا بكر.
وأخرج الحاكم وصححه الذهبي عن مرة الطيب قال جاء أبو سفيان ابن حرب إلى علي فقال ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة وأذلها ذلا يعني أبا بكر والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجالا قال: فقال علي: لطالما عاديت الإسلام وأهله يا أبا سفيان فلم يضره ذلك شيئاً إنا وجدنا أبا بكر لها أهلا.
16. الختمة
فهذا آخر ما وفق الله تعالى لتحريره فى مباحث أبو بكر ، والله أسأل أن يوفق الجميع للعمل النافع والعمل به إنه ولى ذلك والقادر عليه .
0 komentar:
Posting Komentar